تطبيق القوانين الأجنبية فى مصر الإسلامية فى ضوء فلسفة القانون وتاريخه
أنور حلمى عبد الهادى القاهرة الحقوق فلسفة القانون وتاريخه الدكتوراه 2006
"يمكننى الآن فى نهاية هذا البحث رصد نتائج عدة ظهرت لى من خلاله :
1ـ ظلت الشريعة الإسلامية هى صاحبة السيادة ومصدر التشريع, والقانون الوطنى الرسمى فى مصر منذ الفتح الإسلامى حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادى؛ ولم يستطع أى حاكم قبل ذلك أن يصدر قوانين رسمية تخالف الشريعة الإسلامية, رغم الخروج العملى الواضح عليها فى عصور مختلفة, وبطرق ونسب مختلفة.
2ـ تضافرت أسباب عدة فى الابتعاد التدريجى عن الشريعة الإسلامية منذ بداية القرن التاسع عشر, ويجمع هذه الأسباب الضعف الذى أصاب المسلمين ـ وفى القلب مصر ـ والذى نتج عنه الجمود ومن ثم التأخر فى جميع المجالات مما فتح الباب للغرب الناهض والآخذ بأسباب الحضارة إلى محاولة غزو البلاد الإسلامية ـ ومنها مصر ـ عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً, مما أدى إلى هيمنة نظم الغرب وتقاليده وسياساته على مصر ـ طوعاً أو كرهاً ـ وكان نقل القوانين الفرنسية لتطبق فى مصر بدلاً من الشريعة الإسلامية من أبرز مظاهر هذا الضعف.
وها هنا سؤال يطرح نفسه : هل كان غياب الشريعة الإسلامية عن التطبيق فى مصر حلقة فى سلسلة الهدف منها تغييب الشريعة الإسلامية فى مختلف المجالات والاتجاه إلى العلمنة والتغريب , أم أن هذا الغياب هو الذى قاد إلى العلمنة والتغريب فى المجالات المختلفة , أم الاثنان معاً ؟
ولست بصدد الإجابة على هذا السؤال هنا , ولكن المقصود أن غياب الشريعة عن المجال القانونى كان له أكبر الأثر على التغريب والعلمنة فى باقى المجالات خاصة وقد علمنا أن القوانين الفرنسية قوانين مادية مقطوعة الصلة بالدين والأخلاق , مع تشابك العلاقات والمجالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
3ـ يمكن القول إنه حقيقة كانت هناك أسباب متعددة ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر فى نقل القوانين الفرنسية إلى مصر إلى أنه يبقى ـ فى رأيى ـ السبب الأهم يتمثل دائماً فى ضعف الحكام وخضوعهم للضغوط الداخلية والخارجية خاصة.. فى حين لو وجد الحاكم الوطنى المستقل فإنه يستطيع رغم عوامل الضعف والضغط الخارجى هذه أن يناور وأن يقاوم , وأن يأخذ بأسباب القوة , وفى جميع الأحوال ألا يستسلم أو يفرط فى القيم والثوابت الأساسية التى ترسخت فى وجدان وضمير المجتمع , وصارت تشكل أساساً قوياً لتماسكه وتلاحمه , ومن ثم قوته ونهضته.
4ـ أما من ناحية تاريخ القانون فلم يكن للقوانين الفرنسية حق فى التطبيق فى مصر محل الشريعة الإسلامية, فهى قد وضعت طبقاً لتطورات تاريخية خاصة ولبلد يختلف ثقافة وديناً وقيماً عن مصر, وقد كانت إباحة الزنا والربا فى فرنسا تطبيقاً نموذجياً لذلك كما سبق تفصيل ذلك .
5ـ ولم يكن للقوانين الفرنسية حق فى التطبيق أيضاً طبقاً للمذاهب الفلسفية التى بحثت فى أصل القوانين والتى كانت منتشرة وقت وضع القوانين الأهلية؛ فقد ثبت عدم تأثر المشرع المصرى بأى منها, وأنه خالف الفكرة الصحيحة التى لا خلاف عليها بين علماء القانون وهى أن القوانين وليدة البيئة التى تنشأ فيها, وأن نقل القوانين لبلد لمجرد أنها أثبتت صلاحيتها فى بلد آخر لا يعنى صلاحيتها لبلاد أخرى خاصة إذا اختلفت عنها فى البيئة والتاريخ والثقافة ... الخ , بل ربما أدى هذا النقل إلى نتائج عكسية.
6ـ ومن ناحية أخرى فقد كانت الشريعة الإسلامية من ناحية التاريخ القانونى هى شريعة البلاد الأصلية ؛ أى هى القانون الوطنى للبلاد ؛ فقد صارت الشريعة الإسلامية منذ الفتح الإسلامى هى شريعة البلاد العامة, وتحول المصريون سريعاً إلى الإسلام وتعلموا اللغة العربية ؛ أى صارت الشريعة الإسلامية شريعتهم , وصارت اللغة العربية ـ لغة القرآن والسنة ( مصادر التشريع الأساسية ) ـ لغتهم, وطبقها المصريون بعد ذلك لأنها صارت شريعتهم وقانونهم الذى آمنوا به, خاصة وأن من المبادئ المستقر عليها لدى المسلمين أن الإسلام دين ودولة؛ بمعنى أنه عقيدة دينية, وفى نفس الوقت نظام وتنظيم للبشر فى الحياة الدنيا , وقد طبق المصريون شريعتهم بهذا المعنى ؛ أى باعتبارها عقيدة وشريعة.
7ـ وينتج من كل ما سبق ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية , كما فصلنا ذلك منذ قليل .
ونؤكد هنا أننا نقصد بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيق أحكامها هى بمصادرها المختلفة مع الاستفادة من كل جديد على ما سبق تقصيل ذلك.
كما نؤكد أن هذا التطبيق لن يؤتى ثماره ويظهر أثره إلا بالتطبيق الشامل للشريعة الإسلامية أى بجوانبها المختلفة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل القانونية.
وهذ التطبيق الشامل يحتاج إلى إيجاد المجتمع المصرى المسلم والذى يتخذ من الدين والأخلاق مقومات أساسية , وهذا يحتاج إلى تربية الفرد والأسرة على مبادئ الشريعة الإسلامية ليكونا نواة للمجتمع المسلم المنشود , فى نفس الوقت الذى يجب أن تنشط فيه الدراسات والأبحاث فى الشريعة الإسلامية بمذاهبها المختلفة, مع ضرورة فتح باب الاجتهاد , بل محاولة الوصول إلى إجماع على ذلك كما حُكى الإجماع على غلقه من قبل .
ولكننى حين أضم صوتى لصوت الكثيرين المطالبين بفتح باب الاجتهاد بضوابطه أود أن أؤكد أن كثرة الدراسات والأبحاث , وفتح باب الاجتهاد وكل جهد نظرى ـ رغم أهمية وضرورة كل ذك ـ من الصعب جداً أن يكون له أثر عملى فى ظل غياب الإرادة السياسية الإيجابية والقادرة على تحويل هذا الجهد النظرى إلى واقع عملى ."